صمت الغرباء
Member
يومان في حياة النبيّ - عليه الصلاة والسلام
يوم الهجرة .. ويوم الفتح
يومُ الهجرة هو اليوم الذي كان فيه النبيُّ عليه الصلاة والسلام مُطاردا .. مَجْهودا.. رصدت فيه قريشٌ مئة ناقة لمن يأتي به حيا او ميتا ! بعد ثلاثة عشرَ عاما من المحن الشداد التي تظاهرت على الايمان والصبر حتى قال وهو يلوذ بحائطٍ من حوائطِ ثقيف :
"اللهم إني اشكو اليك هواني على الناس .. "
ثم كان يومُ الفتح ِفاتحة ًلأربعة عشرَ قرنا من النصر المؤزر والفتح المبين ..
يوم خَنَسَ الشركُ ..
واستخزت الجهالةُ ..
وذلت قريشُ ..
حتى قال وهو واقفٌ بباب الكعبة :
"لا إله الا الله ..
صَدَقَ وعده ..
ونصر عبده ..
وأعزَّ جُنده ..
وهزم الأحزاب وحده .. "
يوم الهجرة .. ويوم الفتح :
يوم الخائف المجهود ..
ويوم الآمن المشهود ..
يوم الهجرة : عندما حمل النبيُ عليهِ الصلاةُ والسلامُ رسالةَ الايمان ..
وحملَ ابوجهل رسالةَ الشيطان ..
عندما إستحالت مكة جبلاًَ من السعير .. تمور بالفتن .. وتتسعّر بالعذاب .. وتتفجر عليه سفاهةً .. وأذى .. وهونا !
لقد عذبوه في نفسه ..
وفي قومه ..
وفي اصحابه
ليحملوه على ترك هذا الامر فما لان ولا استكان ..
حتى تدخَّل الشيطان في دار الندوة فقرر الموتَ ..
وتدخّل اللهُ بروحهِ في الغار فقدّر الفوتَ ..
وكأن هؤلاء الناجين بدين الله يوم الهجرة يعودون يوم الفتح فإذا هم عشرة آلاف من جند الله يجرّون الحديد على الخيول والنياق ..
لايظهر منهم وراء الدروع غير حِدق العيون
وأبو سفيانُ - زعيمُ قريش ٍ- قد اشترى حياتَه بإسلامه ثم وقف مع العبّاس ِ بمضيق الوادي يشهدُ جيشَ الفتح ِوهو زاحفٌ الى مكة َ ويقول :
" هذا والله مالاطاقة لنا به ..
لقد اصبح مُلكُ ابنُ أخيك ياأبا الفضل عظيما ! "
فقالَ العبّاسُ :
"ياأبا سفيان انها النبوّة .. "
ثم نجا ابو سفيان الى مكة ليصيحَ بأعلى صوته :
( يامعشر قريش لقد أتاكم محمدٌ بما لاقِبَلَ لكم به فسلِّموا تسلموا)
مكةُ الطاغية التي لبثت ثلاث عشرة سنة تفورُ بالسفهِ ..
والحقدِ ..
والإفكِ ..
والضغينةِ ..
والبذاءة ِ..
والأذى لمحمدٍ .. ودين محمد .. واصحابِ محمد ..
هاهي تخشع خشوع الجناح المكسور ..
وتسكُنُ سكون القبر ِالمهجور ..
وتبيتُ ليلةً من ليالي الشتاءِ الباردةِ الطويلةِ وقلبُها يرجفُ من هول الغدِ .. وانتقام المنتصر .
ثم تُصبح وإذا أهلها بين قابع ٍفي منزلِه ..
أو عائذٍ ببيتِ الله ..
أو لائذٍ بدار أبي سفيان .
وفرقُ الجيش ِالمسلم ِتنحدرُ من ذي طِوى مكبرة مهللة :
( الله اكبر .. الله اكبر .. الله اكبر
لااله الا الله ..
الله اكبر كبيرا ..
والحمد لله كثيرا ..
وسبحان الله بكرة واصيلا ..
لاأله الا الله ..
صدق وعده .. ونصر عبده .. واعز جنده .. وهزم الاحزاب وحده
لا اله الا الله
والله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر )
والرسولُ الكريمُ على ناقتِه وقد طأطأ رأسَه على رَحلِه حتى كاد يمس قادمته ..
وعلى جوانبِ الطرق ِالألسنة ُتذكر ..
ومن وراءِ الحجراتِ العيونُ تنظر ..
وهاهو عليه الصلاة والسلام يخاطبُ اهلَ مكة َ:
ماتظنون أني فاعلٌ بكم ؟
فيقولون : أخٌ كريمٌ وابنُ أخ ٍكريم ٍ..
فيقول اذهبوا فأنتم الطلقاء ) !!
الهجرةُ درسٌ للإنسان المستضعفِ المظلوم ِالمحاصرِ إذ ا بَغى عليه الباطلُ .. وطغىَ عليه الكفرُ .. وتنكّر له القومُ
فيعرف كيف يصبر على الحصار ِ
وكيف يقوى على الكيدِ
حتى يبلغَ دارَ الأمان فيقوى ويعزُّ بإذن الله ..
والفتح درس للانسان المنتصر إذا تمكن عرف كيف ينسى الضغائن ويرتفع عن الانتقام ..
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21