فطر الله سبحانه وتعالى الإنسان على حب ولده حبا عظيما حتى إنه لا يتمنى أن يكون إنسان ما أفضل منه غير ولده فلذة كبده.
حتى الأنبياء والرسل كانوا مهمومين بهذا الهم فهذا إبراهيم صلى الله عليه وسلم مهتم بشأن ذريته {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}. البقرة :124.
لهذا أقسم سبحانه وتعالى بالعلاقة الفريدة التي تربطنا بالأبناء {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ}. البلد :3.
وجرت سنته سبحانه وتعالى أن يبتلي الإنسان ويختبره في هذه الحياة الدنيا {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}. البلد : 4. والابتلاء جزء من طبيعة الحياة قد يبتلى البعض بنعم وافرة تذهل اللب ويندفع صاحبها في حالة من الترف تنسيه شكر المنعم ولا يتصور إنسان أن هذا ابتلاء يسير أو ممتع والواقع أكبر دليل على ذلك {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ}. سبأ :13.
وقد يبتلى الإنسان في جسده فيصاب بالضعف والأمراض ويصبح بحاجة لمساندة الآخرين ودعمهم ويتمنى أن يصلي ويصوم فلا يستطيع.
وقد يبتلى بالفقر وتضيق عليه الدنيا بما رحبت حتى يفقد الإحساس بالحياة ذاتها.
وقد يبتلى بالعقم يشتهي طفلا يحتويه فلا يجد.
وقد يرزق بالأطفال حتى إذا بلغوا اشدهم فقدهم موتا أو انحرافا فتصيبه مشاعر الألم والحسرة.
إنه الإنسان على وجه هذه الأرض تتعاقب عليه المنح والمحن ولكل منها درجات بحيث تتساوى في المحصلة الأخيرة فرص الحياة لكل إنسان فأشد الناس ابتلاء الأنبياء وأعظمهم إيمانا أيضا الأنبياء (سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: "الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمثل، يُبتلَى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زِيدَ صلابةً، وإن كان في دينه رقَّةٌ خُفِّف عنه، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ما له خطيئة". رواه أحمد والترمذي.
والله سبحانه وتعالى أرحم الراحمين يبتلي الإنسان بقدر معلوم ذلك القدر الذي يستطيع تحمله بنائه النفسي والانفعالي والإيماني حتى لو تحمله بشيء من الضغط ولكنه في استطاعته تحمله ووفقا لهذه القدرة سيحاسب على عمله سيحاسب إن رضي أو سخط .
ابتلي نوح بابن رفض الإيمان رغم كل جهوده لإقناعه ورغم تأثيره كوالد عليه.. ظل نوح يسعى حتى يؤمن ابنه حتى اللحظات الأخيرة لبدء الطوفان ظل يحدثه حتى حال بينهما الموج كان كوالد يشعر بألم نفسي عميق وهو يعلم مصير ابنه حتى دعا ربه عله يعفو عنه {وَنَادَىٰ نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}. هود :45. فأي بلاء لوالد يوقن أن ولده فلذة كبده سيعيش في العذاب الأبدي السرمدي.
ويعقوب يفقد ابنه الحبيب يوسف سنينا طويلة يعاني فيها من الآلام النفسية القاسية التي لا يخفف منها إلا بثه حزنه والمه لخالقه.. بكي يعقوب في خلواته وكظم حزنا عميقا قاسيا حتى ابيضت عيناه من الحزن والدموع وهو لا يعلم شيئا عن مصير ولده.
أما رسولنا صلى الله عليه وسلم فيكفي مثالا واحدا على ما عاناه من ألم فراق الولد فراقه لولده ابراهيم ذلك الولد الذي رزقه وقد بلغ به العمر سنينا عددا وتعلق قلبه به تعلقا قويا وحزن عليه حزنا جعل بعضهم يتوهم أن الشمس قد كسفت لحزن النبي صلى عليه وسلم لفراق إبراهيم .
لماذا هذه المقدمة الطويلة؟
إنها رسالة لكل من ابتلاه الله سبحانه وتعالى بطفل معاق أيا كانت إعاقته أو درجتها أن ينظر للأمر بمنظار واسع.. منظار يدرك حقيقة هذه الحياة وموضع الابتلاء فيها فلاشك أن الإدراك المعرفي قد يكون أولى خطوات حل المشكلة النفسية ..نعم قد يدرك الإنسان ذلك كله ويؤمن به ولكن مشاعره تأبى السكون والاستقرار ويخيم على القلب الحزن والألم والانكسار ذلك أمر طبيعي وإلا لما سأل نوح العفو عن ابنه ولما ابيضت عينا يعقوب من الحزن ولا تدفقت دموع محمد صلى الله عليه وسلم .
ولكن تبقى المعرفة بحقيقة الحياة كالسد المنيع الذي يقف في وجه خروج مشاعر الحزن عن حدودها الآمنة وتأمل قول النبي صلى عليه وسلم حين دخل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله (فقال يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ). رواه البخاري.
ولانقول غير ما يرضي الرب بلساننا وقلوبنا فلا معنى أن نقول حمدا لله باللسان والقلب متذمر شاكي إنه ذلك الصبر الجميل الذي تحدث عنه يعقوب عليه السلام وليس ذلك الصبر المفروض بواقع الحال.. الصبر الجميل رغم الحزن يدرك النعمة وراء المحنة.. الصبر الجميل قلب راض ومستقر.. الصبر الجميل مغلف بالرجاء في انقلاب المحنة لمنحة كما حدث مع يوسف.. الصبر الجميل قلب يلهج بالدعاء حتى تتنزل الرحمة كصبر زكريا وهويدعو ربه أن يهبه الولد بعد أن اشتعل الرأس بالشيب وزوجته عاقر.
الصبر الجميل يدفع صاحبه للعمل والحركة فطفلي المعاق لن يتحسن بدموعي وحزني فلتتحول هذه الدموع لقوة دفع حتى اغير حاله لأقصى درجة يمكنها.. حتى التحسن الصغير يقدم فرقا هائلا في الحياة لذلك تحدث ربنا عن الذرة من الخير والذرة من الشر.
لن أضرب أمثلة بأشخاص مشهورين تحدوا الإعاقة ونجحوا حتى وصلوا لذروة النجاح، ولن أتحدث عن إعاقة بصرية أو سمعية أوحركية أقلت من القدرة على الحياة الطبيعية ولم تحطمها، ولكن سأضرب أمثلة أعرفها لأطفال لديهم إعاقة عقلية ولعلها أشد وأقسى حالات الإعاقة وأهل رزقهم الله الصبر الجميل.
لا أنسى وجهها الجميل وشعرها المنمق وثوبها الأنيق وهي تقدم لي بعض الحلوى جلست بجواري تتبادل معي الحديث حتى ألتقي مضيفتي أختها الكبرى.. بعد برهة من الوقت أدركت الأمر فتلك الفتاة الأنيقة جدا لا تمتلك عقل فتاة في الخامسة عشر وإنما أقل من ذلك بكثير.. لم تلبث أختها أن جاءت كانت تتحدث معها بصورة طبيعية جدا وتركتها جالسة معنا وكنا نتبادل معها الحديث بين الوقت والآخر.. كانت الفتاة تبدو سعيدة بجلستها وبحياتها.. عرفت بعد ذلك أنهم يتواصلون مع متخصصين بحيث تصل الفتاة لأقصى ما تستطيعه من قدرات.. عرفت أيضا أن الفتاة تهتم جدا بانتقاء ثيابها وتخرج للشراء معهم وتقضي وقتا تصفف شعرها ولديها ألعابها الخاصة وتعرف مباديء مبسطة عن الدين.
أما ذلك الفتى الذي تحمل ملامحه ما ينبئ عن طبيعة مرضه فهو الآخر كان يبدو سعيدا بألعابه وبجلسته مع الكبار واللعب معهم وكان جارنا الشاب الذي يحمل الملامح ذاتها يذهب للمسجد دائما وحده ويعود ويساعد والده في حمل المشتروات ربما لم يكن يضايقه سوى مجموعة من الصبية الصغار الذين لم يجدوا من يعلمهم معايير الصواب والخطأ ولا القيم الأخلاقية التي ينبغي أن يتحلوا بها عندما يواجهون من ابتلاهم الله بفقد قدرة من القدرات.
أما جارتي الشابة الريفية التي تعاني أيضا من إعاقة عقلية فهي عصب البيت فهي تنظف البيت وتطهو الطعام بل وتعجن وتصنع الخبز وهي تشعر بقيمتها في البيت فكل من حولها يقدم لها الحب خاصة أمها التي ساعدتها كثيرا على شعورها بالتقبل الاجتماعي ..هذه النماذج لأناس بسطاء جدا رضوا بقضاء الله.. لم يرهقوا أنفسهم بالمقارنة مع الآخرين.. قدموا الحب والحنان والاحتواء والتقبل.. لم يعزلوا أبناءهم ولم يشكوا منهم.. ببساطة تقبلوهم كما هم.
فهدأت نفوسهم واستطاع أبناؤهم أن يعيشوا براحة وسعادة بقدر فهمهم للحياة.
وعلى العكس من ذلك كانت جارتي الأخرى التي ابتلاها الله سبحانه وتعالى بابن معاق مالبث أن توفى بعد عدة سنوات كانت كلما نظرت لأطفال ولدوا معه في نفس التوقيت يلعبون ويمرحون تقول كان من عمركم لماذا هو؟.. وتبكي ولا تستمع لدعوات الصبر التي يرسلها لها من حولها وما لبثت أن اصيبت بأمراض غريبة لايدرك الأطباء كنهها فهي تبدو من الناحية الجسدية سليمة، لعلها تلك الأمراض التي يطلق عليها نفسجسمية ..أصبح الجميع يتجنبها فهي قاسية وحادة ترسل كلماتها الجارحة دون تدقيق كما ترسل نظراتها الحاسدة حتى لإخوتها وأقرب الأقربين.
وإذا كان علي أن أضرب مثال آخر لسيدة مثقفة حولت حزنها الداخلي لوقود حيوي حتى تنهض بابنها تلك هي الكاتبة الصحفية (س) التي تمتلك أسلوبا رائعا في الكتابة، وقد قررت أن تعيش حياتها بأقوى حال فهي كاتبة وناشطة متميزة وفي الوقت ذاته لديها برنامج متخصص متميز لرعاية طفلها وتقديم كافة الخبرات الممكنة له حتى يتحسن.. لا تمل من التكرار والتدريب فهو جزء من حياتها.. تعلم طفلها مهارات صغيرة جدا جدا بدأب واستمرار.. طبعا لا تستخدم أي منهج مقارن بالأطفال في نفس سنه فهي تقول دائما أن كل إنسان وكل طفل نسيج وحده.. تحب طفلها جدا وتفخر به وتعتني بمظهره وتخرج به ولا يبدو عليها أي حرج في الأماكن العامة وتتعامل ببساطة مع أي موقف.. تردد دائما أن طفلها هذا هو منحة ربانية لها وهي لن تهدر هذه المنحة أبدا.. مشروعها القادم بالاشتراك مع أمهات يعانين ظروفها ويعشن بنفس منهجيتها أن يقدمن خدمة لأمهات أخريات لازلن واقعات في فخ الصدمة والإحباط.
حتى الأنبياء والرسل كانوا مهمومين بهذا الهم فهذا إبراهيم صلى الله عليه وسلم مهتم بشأن ذريته {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ}. البقرة :124.
لهذا أقسم سبحانه وتعالى بالعلاقة الفريدة التي تربطنا بالأبناء {وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ}. البلد :3.
وجرت سنته سبحانه وتعالى أن يبتلي الإنسان ويختبره في هذه الحياة الدنيا {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ}. البلد : 4. والابتلاء جزء من طبيعة الحياة قد يبتلى البعض بنعم وافرة تذهل اللب ويندفع صاحبها في حالة من الترف تنسيه شكر المنعم ولا يتصور إنسان أن هذا ابتلاء يسير أو ممتع والواقع أكبر دليل على ذلك {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ}. سبأ :13.
وقد يبتلى الإنسان في جسده فيصاب بالضعف والأمراض ويصبح بحاجة لمساندة الآخرين ودعمهم ويتمنى أن يصلي ويصوم فلا يستطيع.
وقد يبتلى بالفقر وتضيق عليه الدنيا بما رحبت حتى يفقد الإحساس بالحياة ذاتها.
وقد يبتلى بالعقم يشتهي طفلا يحتويه فلا يجد.
وقد يرزق بالأطفال حتى إذا بلغوا اشدهم فقدهم موتا أو انحرافا فتصيبه مشاعر الألم والحسرة.
إنه الإنسان على وجه هذه الأرض تتعاقب عليه المنح والمحن ولكل منها درجات بحيث تتساوى في المحصلة الأخيرة فرص الحياة لكل إنسان فأشد الناس ابتلاء الأنبياء وأعظمهم إيمانا أيضا الأنبياء (سئل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيُّ الناس أشد بلاءً؟ قال: "الأنبياء، ثم الأمْثَلُ فالأمثل، يُبتلَى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زِيدَ صلابةً، وإن كان في دينه رقَّةٌ خُفِّف عنه، ولا يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض ما له خطيئة". رواه أحمد والترمذي.
والله سبحانه وتعالى أرحم الراحمين يبتلي الإنسان بقدر معلوم ذلك القدر الذي يستطيع تحمله بنائه النفسي والانفعالي والإيماني حتى لو تحمله بشيء من الضغط ولكنه في استطاعته تحمله ووفقا لهذه القدرة سيحاسب على عمله سيحاسب إن رضي أو سخط .
ابتلي نوح بابن رفض الإيمان رغم كل جهوده لإقناعه ورغم تأثيره كوالد عليه.. ظل نوح يسعى حتى يؤمن ابنه حتى اللحظات الأخيرة لبدء الطوفان ظل يحدثه حتى حال بينهما الموج كان كوالد يشعر بألم نفسي عميق وهو يعلم مصير ابنه حتى دعا ربه عله يعفو عنه {وَنَادَىٰ نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ}. هود :45. فأي بلاء لوالد يوقن أن ولده فلذة كبده سيعيش في العذاب الأبدي السرمدي.
ويعقوب يفقد ابنه الحبيب يوسف سنينا طويلة يعاني فيها من الآلام النفسية القاسية التي لا يخفف منها إلا بثه حزنه والمه لخالقه.. بكي يعقوب في خلواته وكظم حزنا عميقا قاسيا حتى ابيضت عيناه من الحزن والدموع وهو لا يعلم شيئا عن مصير ولده.
أما رسولنا صلى الله عليه وسلم فيكفي مثالا واحدا على ما عاناه من ألم فراق الولد فراقه لولده ابراهيم ذلك الولد الذي رزقه وقد بلغ به العمر سنينا عددا وتعلق قلبه به تعلقا قويا وحزن عليه حزنا جعل بعضهم يتوهم أن الشمس قد كسفت لحزن النبي صلى عليه وسلم لفراق إبراهيم .
رسالة للمبتلى
إنها رسالة لكل من ابتلاه الله سبحانه وتعالى بطفل معاق أيا كانت إعاقته أو درجتها أن ينظر للأمر بمنظار واسع.. منظار يدرك حقيقة هذه الحياة وموضع الابتلاء فيها فلاشك أن الإدراك المعرفي قد يكون أولى خطوات حل المشكلة النفسية ..نعم قد يدرك الإنسان ذلك كله ويؤمن به ولكن مشاعره تأبى السكون والاستقرار ويخيم على القلب الحزن والألم والانكسار ذلك أمر طبيعي وإلا لما سأل نوح العفو عن ابنه ولما ابيضت عينا يعقوب من الحزن ولا تدفقت دموع محمد صلى الله عليه وسلم .
ولكن تبقى المعرفة بحقيقة الحياة كالسد المنيع الذي يقف في وجه خروج مشاعر الحزن عن حدودها الآمنة وتأمل قول النبي صلى عليه وسلم حين دخل على ابنه إبراهيم رضي الله عنه وهو يجود بنفسه فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان فقال له عبد الرحمن بن عوف وأنت يا رسول الله (فقال يا ابن عوف إنها رحمة ثم أتبعها بأخرى فقال إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون ). رواه البخاري.
ولانقول غير ما يرضي الرب بلساننا وقلوبنا فلا معنى أن نقول حمدا لله باللسان والقلب متذمر شاكي إنه ذلك الصبر الجميل الذي تحدث عنه يعقوب عليه السلام وليس ذلك الصبر المفروض بواقع الحال.. الصبر الجميل رغم الحزن يدرك النعمة وراء المحنة.. الصبر الجميل قلب راض ومستقر.. الصبر الجميل مغلف بالرجاء في انقلاب المحنة لمنحة كما حدث مع يوسف.. الصبر الجميل قلب يلهج بالدعاء حتى تتنزل الرحمة كصبر زكريا وهويدعو ربه أن يهبه الولد بعد أن اشتعل الرأس بالشيب وزوجته عاقر.
الصبر الجميل يدفع صاحبه للعمل والحركة فطفلي المعاق لن يتحسن بدموعي وحزني فلتتحول هذه الدموع لقوة دفع حتى اغير حاله لأقصى درجة يمكنها.. حتى التحسن الصغير يقدم فرقا هائلا في الحياة لذلك تحدث ربنا عن الذرة من الخير والذرة من الشر.
بين النجاح والفشل
لا أنسى وجهها الجميل وشعرها المنمق وثوبها الأنيق وهي تقدم لي بعض الحلوى جلست بجواري تتبادل معي الحديث حتى ألتقي مضيفتي أختها الكبرى.. بعد برهة من الوقت أدركت الأمر فتلك الفتاة الأنيقة جدا لا تمتلك عقل فتاة في الخامسة عشر وإنما أقل من ذلك بكثير.. لم تلبث أختها أن جاءت كانت تتحدث معها بصورة طبيعية جدا وتركتها جالسة معنا وكنا نتبادل معها الحديث بين الوقت والآخر.. كانت الفتاة تبدو سعيدة بجلستها وبحياتها.. عرفت بعد ذلك أنهم يتواصلون مع متخصصين بحيث تصل الفتاة لأقصى ما تستطيعه من قدرات.. عرفت أيضا أن الفتاة تهتم جدا بانتقاء ثيابها وتخرج للشراء معهم وتقضي وقتا تصفف شعرها ولديها ألعابها الخاصة وتعرف مباديء مبسطة عن الدين.
أما ذلك الفتى الذي تحمل ملامحه ما ينبئ عن طبيعة مرضه فهو الآخر كان يبدو سعيدا بألعابه وبجلسته مع الكبار واللعب معهم وكان جارنا الشاب الذي يحمل الملامح ذاتها يذهب للمسجد دائما وحده ويعود ويساعد والده في حمل المشتروات ربما لم يكن يضايقه سوى مجموعة من الصبية الصغار الذين لم يجدوا من يعلمهم معايير الصواب والخطأ ولا القيم الأخلاقية التي ينبغي أن يتحلوا بها عندما يواجهون من ابتلاهم الله بفقد قدرة من القدرات.
أما جارتي الشابة الريفية التي تعاني أيضا من إعاقة عقلية فهي عصب البيت فهي تنظف البيت وتطهو الطعام بل وتعجن وتصنع الخبز وهي تشعر بقيمتها في البيت فكل من حولها يقدم لها الحب خاصة أمها التي ساعدتها كثيرا على شعورها بالتقبل الاجتماعي ..هذه النماذج لأناس بسطاء جدا رضوا بقضاء الله.. لم يرهقوا أنفسهم بالمقارنة مع الآخرين.. قدموا الحب والحنان والاحتواء والتقبل.. لم يعزلوا أبناءهم ولم يشكوا منهم.. ببساطة تقبلوهم كما هم.
فهدأت نفوسهم واستطاع أبناؤهم أن يعيشوا براحة وسعادة بقدر فهمهم للحياة.
وعلى العكس من ذلك كانت جارتي الأخرى التي ابتلاها الله سبحانه وتعالى بابن معاق مالبث أن توفى بعد عدة سنوات كانت كلما نظرت لأطفال ولدوا معه في نفس التوقيت يلعبون ويمرحون تقول كان من عمركم لماذا هو؟.. وتبكي ولا تستمع لدعوات الصبر التي يرسلها لها من حولها وما لبثت أن اصيبت بأمراض غريبة لايدرك الأطباء كنهها فهي تبدو من الناحية الجسدية سليمة، لعلها تلك الأمراض التي يطلق عليها نفسجسمية ..أصبح الجميع يتجنبها فهي قاسية وحادة ترسل كلماتها الجارحة دون تدقيق كما ترسل نظراتها الحاسدة حتى لإخوتها وأقرب الأقربين.
الحزن والنهضة